زواج السلطتــين ..

زواج السلطتــين ..

بقلم: أمجد سالم……

يُعتـــبرُ الحــديث (في) عن هـذا المـلف (أزمة الهجرة)، أمـــراً مزعجاً وغير مرغوب فيه على الصعــيدين الـــدولـــي والداخلـي على حدّ السواء؛
فــ السلطـــات المتعاقبة بـــ “أرض الملح ” (ليبيا)، تراهنُ عليه طبقتها السياسية معتبرة اياهُ الملف الواجب تواجـــده علي طاولة المفاوضـــات دائمـــاً، فهـــو ملف يسببُ الإحــراج لبعض الساسة علي الصعيـــد الدولـــي إذا تم العملُ عليه في وضــح النهــار، لذلك نجد العديد منهم الساسة في دول الاستقبال دائمـــاً ما يُفضــلون العمل علي هـــذا الملف في الخفــاء ومـــع شخصيـــاتِ الظلام .
لقد احتكرت السلطة القائمة في لبيبا قبيل ثورة الـ 17 مــن فبراير ملف المهاجرين غير النظاميين، فكانت لوحدها تديره وتتحكم في خيوطه، حيث أحسنت جيدا استغلالهُ، فقد كان ورقـة رابحـة للضغط علي الجانب الأوروبـي حيث كان النظام بإمكانياته يتحكم في كل مجريات وطرق التهريب، وكانت بالتالي تلك الطرق (التهريب) تفتح عند الخصومة مع الجانب الأوروبي وتغلق عند الاتفاق معه.
ففي سنة 2008 ، شُكّلت لجنـة تابعـة للاتحاد الأوروبي لمتابعة ملف الهجرة والمهاجرين في ليبيا، وفي ذلك الإطار نسقت مع الجانب الليبي لمراقبة طرق الهجرة في الصحراء الليبية حتى يتم الوقوف علي الإجراءات التـي تقـوم بهـا السلطات الليبية آنذاك للحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين. وبالتزامن مع ذلك كانت الأجهـزة الأمنية في ليبيا تستعدّ بالتوازي لإظهـار مـدي جديتها في الحد من الهجـرة فتم نشر العديد من الدوريات من كافة الأجهـزة الأمنيـة دون استثناء في الصحراء الليبية.
وحــين انطلقت اللجنة الأوربية في مهمتها كانت الوحدات الأمنية بانتظارهم، وحيث ما اتجهت اللجنة الأوروبية لأي نقطة تجد في طريقها إحدى الفرق الأمنية حيث تقوم بتفتيشهم والتحقق من هوياتهم إضافة إلى المرافقـــين معهـــم، ثم بعـــد أن تتصل بــ القيـــادة المركزية بــ العاصمة يسمح لهم بالذهـــاب، و بعد انتهاء مهمة اللجنة عادت اللجنة (تكرار) إلي العاصمـة طرابلس بعد يومين من التعب بسبب كثـرة الوقوف في الصحـراء بسبب تلك الدوريات المتحركة علي طول الصحراء، وقدمت إثر ذلك تقرير كان تقييمهم ايجابيا بالنسبة لأداء السلطات آنذاك في التصدي للهجرة غير النظامية . يذكر أنه قبيل اندلاع ثـورة 17 من فبرايـر بدأت السُلطات الليبية تفتح المجال أمـام الهجرة غير النظامية عن طريق البحر كـــ نوع من التهديد إلي لأوروبـــا، و كأن (عبارة التشبيه التالية تكفي) لسان حال النظام يقـــول ستكونون أنتم أول المتضررين من الفوضى التي ستحدث عند سقوطي.
لقد سمح النظام وقتئذ لأعداد هائلة من الرحلات, الانطلاق من السواحل الليبية، و بـدأت القوارب في الخروج بشكل كبـــير من المواني الرئيسية في العاصمـــة واستمرت حتى أثناء القتال الحاصل، ومنـذُ ذاك الوقت بدأت رحلة الجريمـة المنظمـة في ملف الهجـرة تتوسـع تدريجياً حتى أصبحت اليوم عابـرة للحدود .
لقد بـدأ زواج سلطتي المال و السلاح بملف تجارة البشـر حـين تم مـد يـد العون من قبل بعض الساسة في دول الاستقبال لبعض المجرمـين ومهربـي البـشر الصغـار، وكان مدهم بالمـال والعتـاد والحمايـة فقـط لأجل أن يقـوموا ببعض الأعمـال السيئـة والمخزيـة بـدلاً عنهـم مقابل إيقاف عمليات تهريب البشـر، وحـين تم اكتشـاف هذا الأعمـال السيئة سرعـان ما تـم التخلي عنهـم وتركهـم يواجهـون شـر أعمالهـم منفرديـن.
لقد كان المجرمـون يمتلكـون المال والعتـاد والرجال والسـلاح، و بـدوا يعملـون في الخفـاء عن طريق ( صبيان) وبـدأت تجارة البشـر في ازدهـار وحتى إن تم القبض على أحد هؤلاء الصبيان فإن العشرات يمكن أن يحلوا محلّه من جميع الجنسيات.
لقد ازدهرت تجارة البشـر في ليـبـيا بهذا الشكل وفي ظل مناخ السياسي وأمني مواتي جدا، وهو ما يجعلنا نعتقد بناء على ما تقدّم أنهُ أصبـــح من الصعب بمكان محاسبـــة العـــديد من مهربـــي وتجار البشـــر لضلوع حيث تورط العديد من الساسة من ليبيا ومن خارجها في هذا التنظيم الإجرامـــي وإضفـــاء طابــع الشرعيـــة عليه. في يومٍ من الأيــــام.