تجارب المهاجرين السودانيين في ليبيا

بقلم : ميمون الشيخ

في العشر سنوات الأخيرة شهدت السودان حدثين مهمين في تاريخها المعاصر وهذين الحدثين ساهما بشكل كبير في تغيير الملامح السياسية والإجتماعية والجغرافية للبلد, فبعد 30 عاما من الحكم الدكتاتوري للبلد من قبل عمر البشير اندلعت “الثورة” التي تعالت فيها الهتافات وتبادلت مجموعة الفتيات إشارات الحرية مشجعات بعضهن البعض. وارتفعت الأصوات مجتمعة بكلمات: حرية! سلام! عدالة! مثل كل مطالب المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، التي باتت الآن مألوفة، وسط حماس يتصاعد بشكل مُعدٍ. أدت هذه الاحتجاجات في أواخر عام 2018 إلى إنقلاب ناجح ساهم باسقاط البشير في 11 أبريل 2019 وقبل هذا الحدث الذي يعتبر مهماً جداً في تاريخ السودان, كان هناك حدث آخر مهم وهو إنفصال جنوب السودان عن الشمال. كل هذه الأحداث كانت سبب في ظهور الكثير من المشاكل والتحديات في المجتمع السوداني بشكل عام ومن ضمن المشاكل التي ظهرت ازدياد أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء السودانيين الذين قرروا الخروج من السودان لعدة أسباب تتعلق بأمنهم وكرامتهم والبحث عن ملجأ آمن لهم ولأسرهم وكانت الوجهة الأولى للمهاجرين السودانيين هي دولة ليبيا التي تجمعها حدود برية مع السوادن حيث صنفت المنظمة الدولية للهجرة في تقريرها عن المهاجرين في ليبيا في عام 2021 المهاجرين السودانين ضمن أكبر خمسة جنسيات موجودة في ليبيا حيث أحتلت الجنسية النيجرية: الترتيب الأول, والمصرية: الترتيب الثاني, والسودانية: الترتيب الثالث والتشادية: الترتيب الرابع, بينما احتل المهاجرين من دولة نيجيريا الترتيب الخامس.

تجارب المهاجرين السودانيين في ليبيا

عاش الكثير من المهاجرين السودانيين تجارب مختلفة في ليبيا ولكن أغلب هذه التجارب تتشارك في مسألة البحث المستمر عن الأمن والأمل والبحث عن حياة كريمة بعيدا عن النزاعات والحروب التي تشهدها ليبيا والأوضاع  الغير مستقرة التي يشهدها بلدهم السودان

تبدأ رحلة البحث عن الأمل للمهاجرين السودانيين لحظة دخولهم للأراضي الليبية وغالبا تكون عن طريق مدينة الكفرة الليبية كأول محطة لأغلب المهاجرين السودانيين تنقسم فئة المهاجرين في ليبيا إلى ثلاثة فئات رئيسية الأولى هي فئة المهاجرين الاقتصاديين.

المهاجرين الاقتصاديين

وهم الذين هاجرو من بلدانهم إلى بلد آخر من أجل تحسين أوضاعهم المعيشية السيئة التي يعشونها في بلدانهم الأصلية. عادة لا يكون المهاجرون الاقتصاديون عمومًا غير مؤهلين للحصول على اللجوء، ما لم تكن الظروف الاقتصادية التي يواجهونها شديدة بما يكفي لتسبب في عنف عام أو عطلت النظام العام بشكل خطير وفي ليبيا يوجد الكثير من المهاجرين الاقتصادين وهم منخرطين في سوق العمل الليبي بشكل كبير ويعملون في مختلف المدن الليبية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المهاجرين السودانيين يحظون بقبول ملحوظ من قبل الليبيـــين أكثر من أي فئة أخرى من المهاجرين ودائما ما يتم الاستعانة بهم كمدرسين ومحاسبين ومهندسين وشيفات وغيرها من المهن الحرة الموجودة في سوق العمل الليبي. يحكي لنا أحد المهاجريين السودانيين الموجودين في مدينة سبها عن التجربة التي مر بها حين قرر الهجرة من بلده السودان إلى ليبيا من أجل الحصول على وظيفة تساعده على اعالة أسرته في السودان تعرض محمد للإحتجاز من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية مرتين قبل أن يصل إلى مدينة سبها ولكن من حسن حظه أنه لم تقم السلطات الليبية بترحيله كما يحدث للكثير من المهاجرين الذين يتم ارجاعهم بطريقة تعسفية إلى بلدانهم استطاع محمد بعد سنتين من وصوله إلى مدينة سبها في سنة 2015 أن يتحصل على وظيفة تدريس في مدرسة خاصة بمدينة سبها كمدرس لمادة الرياضيات بالاضافة إلى عمله كمحاسب في إحدى المتاجر في المدينة رغم أن القانون الليبي يجرم الهجرة وتفرض المادة الثالثة في قانون رقم 19 لسنة 2010 بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية غرامة مالية  تصل إلى  3000 الآف دينار على أي مواطن ليبي يوفر وظيفة لمهاجر غير نظامي على الأراضي الليبية إلا ان هذا القانون لا يطبق في ليبيا بشكل فعلي حيث أن الدولة الليبية نفسها تعتمد على المهاجرين بشكل كبير في معظم مؤسساتها. على سبيل المثال أغلب العمال في الشركة العامة لخدمات النظافة هم مهاجريين دخلوا إلى ليبيا بطريقة غير نظامية, لذلك أغلب المواد المذكورة في قانون رقم 19  لسنة 2010 غير مطبقة على أرض الواقع وهذا شجع أغلب المهاجرين ومن بينهم المهاجرين السودانيين على الانخراط في سوق العمل دون أي مخاوف حول وجود مخاطر قانونية عليهم

اللاجئون وطالبو اللجوء السودانيين

تعتبر فئة اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين من أكثر الفئات ضعفا ضمن المهاجريين السودانيين في ليبيا وذلك بسبب الظروف الصعبة التي شكلت خطرا على حياتهم وأمنهم في السودان ما جعلهم يفكرون بالهجرة وتقديم طلب اللجوء لدى مكاتب مفوضية اللاجئيين في مدينة طرابلس. ولكن دائما ما تكون هناك صعوبات كبيرة تواجه المهاجرين الذين يريدون تقديم طلب اللجوء وهي صعوبة الوصول إلى مكاتب مفوضية اللاجئيين وذلك لأن المفوضية لا تملك مكاتب لها في جميع المدن الليبية ما عاد طرابلس فقط, وهذه المشكلة انتقدتها منظمات حقوقية ليبية لأنها تسبب الكثير من المتعاب للمهاجرين المقيمين خارج مدينة طرابلس أثناء محاولتهم الوصول إلى المفوضية وذلك بسبب كثرة النقاط الأمنية على طول الطرق التي تؤدي إلى مدينة طرابلس. يتم القبض على أغلب طالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى طرابلس لتقديم اللجوء لدى المفوضية ، كمال مهاجر سوداني دخل إلى ليبيا براً وكانت أول محطة وصل لها هي مدينة الكفرة أقرب المدن للحدود السودانية الليبية وهي أول وجهة للمهاجرين السودانيين وبقية المهاجرين من مختلف الجنسيات مثل الإريثريين والاثيوبين في ليبيا. كمال لاجئ سوداني من جنوب السودان قرر الهجرة إلى ليبيا بسبب الحروب والنزاعات التي يمر بها بلده السودان وكان هدفه بعد دخوله لليبيا هو الوصول إلى مدينة طرابلس لتقديم اللجوء لدى المفوضية ولكن التحدي كان كبير اً جدا بالنسبة له لأن عليه السفر أكثر من 1700 كيلو متر حتى يصل إلى طرابلس وهذا تحدي كبير لكل المهاجرين لأنهم قد لا يحملون أي وثائق تدل على دخولهم إلى ليبيا بطريقة نظامية والقانون الليبي يجرم الهجرة ويعتبرها فعل غير شرعي وذلك يمنح جهاز الهجرة غير الشرعية صلاحيات القبض على المهاجرين ونقلهم إلى مراكز الاحتجاز التابعة للجهاز وهناك يتعرضون لعدة انتهاكات مثل الضرب وسوء التغذية والمعاملة المهينة والإعادة القسرية إلى بلدانهم التي فروا منها خوفا من الاضطهاد.

استطاع كمال بعد عدة أيام وهو ينتقل من مهرب إلى آخر حتى وصل إلى مدينة طرابلس ولكنه تعرض للقبض من قبل جهاز الهجرة بعد وصوله إلى  طرابلس وتم نقله إلى مركز تابع لجهاز الهجرة الغير شرعية في تاجوراء وبعد أكثر من ستة اشهر من الإحتجاز استطاع الهروب من مكان الاحتجاز واستطاع أن يتحصل على المساعدة من المهاجرين السودانيين الموجودين في طرابلس. وقدم طلب لجوء في المفوضية ولكنه لا يزال خائفا من أن يقبض عليه مجدداً وإعادته مرة أخرى لمكان الاحتجاز بعد تقديمه لطلب اللجوء، لا تعترف وزارة الداخلية ولا القوات التابعة للجيش الليبي بالمستندات التي تمنحها المفوضية للاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا لذلك دائما ما تقوم القوات الأمنية والمجموعات المسلحة بالقبض عليهم بشكل عشوائي حتى لو كانوا يحملون مستندات تدل على أنهم لاجئين أو طالبي لجوء تحاول مختلف فئات المهاجرين في ليبيا العمل معا كمجموعات لتقديم الدعم والمساعدة لبعضهم البعض ومن بين أكثر الجماعات تنظيما في هذا الجانب هم المهاجرين السودانيين. حيث تقدم الجالية السودانية في ليبيا المساعدة لمختلف المهاجرين السودانين وغيرهم من المهاجرين قد تتمثل في تقديم مساعدة مالية لمهاجر أو أسرة تحتاج إلى العلاج أو المأوى أو تقديم طلب لجوء. قاد المهاجرين السوادانيين العديد من الوقفات الاحتجاجية أمام مقر مفوضية اللاجئين للمطالبة بحقوقهم وإجلائهم من ليبيا أيضا قاد المهاجرين السوادانين وبقية المهاجرين من مختلف الجنسيات وقفة احتجاجية في سنة 2019 يطالبون فيها الأمم المتحدة بفتح تحقيق حول حادثة قصف مركز احتجاز مهاجرين في تاجوراء كان يحوي حوالى 600 مهاجر غير نظامي من مختلف الجنسيات أغلبهم تم التعرض لهم من قبل خفر السواحل الليبي وهم في طريقهم إلى أوروبا لذلك يلجأ الكثير من المهاجرين إلى الهجرة إلى أوروبا هربا من جحيم الاحتجاز في ليبيا عن طريق البحر وفي أغلب الأوقات لا يتمكنون من الوصول إلى أوروبا إما بسبب إرجاعهم من قبل خفر السواحل الليبي أو غرق قاربهم. نشر موقع سودانيون في يونيو 2022 خبر غرق قارب يستقل 70 مهاجرا غير نظامي بينهم 60 سودانيا في طريقهم إلى أوروبا قبالة السواحل الليبية وفقا لما ذكره رئيس منظمة برنامج الحد من الهجرة غير النظامية والعودة الطوعية للجاليات السودانية في ليبيا أن سبب غرق القارب هو تعرضه لإطلاق نار من قبل مجموعات مسلحة وصفها بالقراصنة وكان هدفها من اطلاق النار على القارب هو الاستيلاء على محرك القارب ويذكر أن منذ مطلع عام 2022م تم اعتراض 14157 مهاجر وإعادتهم إلى ليبيا وفقا لتقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة وقالت المنظمة أن ما لا يقل عن 216 شخصا لقوا حتفهم أثناء محاولتهم العبور فيما لا يزال 724 شخصا مفقودين ويرجح أنهم توفوا.

من أكثر الممارسات التي يتعرض بسببها المهاجرين للانتهاكات هي التعرض لهم من قبل خفر السواحل الليبي وارجاعهم إلى ليبيا وهذا ما انتقدته الكثير من المنظمات الليبية لأن المهاجرين عندما يتم القبض عليهم من قبل خفر السواحل الليبي ويتعرضون للعديد من الانتهاكات وتبدأ هذه الانتهاكات في نقاط الانزال الخاصة بخفر السواحل الليبي حيث يتم في كثير من الحالات فصل القصر عن ذويهم وأهاليهم ومن ثم يتم نقل المهاجرين إلى مراكز الاحتجاز التي لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة.

ويتعرض المهاجرون لإنتهاكات أخرى تتمثل في ترحيلهم قسرا, إما عبر الحدود البرية مع السودان أو النيجر أو ترحيلهم عبر المطار إلى بلدانهم من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية ، رصدت مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان في ليبيا عدد من عمليات الترحيل العشوائية للمهاجرين السودانيين وغيرهم من المهاجرين من الجنسيات الأخرى مثل الإليتريين، والإثيوبيين عبر الصحراء بين الحدود الليبية السودانية، أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية – فرع الكفرة  في 11  نوفمبر 2022 عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك  ترحيل 43 مهاجر سوداني براً عبر الصحراء دون أن يكون هناك تنسيق مسبق بينه وبين الجيش السوداني وهذه الطريقة تعرض حياة المهاجرين للخطر ، كل عمليات الترحيل التي يقوم بها جهاز الهجرة في ليبيا غير قانونية ودائما تكون بحجة أن المهاجرين مصابين بأمراض معينة مثل الايدز والوباء الكبدي وغيرها من المبررات ولكن ذلك لا يعتبر سبب مقنع لترحيلهم وأعلن اللواء طارق بن زياد أيضا في اكثر من مناسبة ترحيل المهاجرين من مختلف الجنسيات عبر الحدود الليبية النيجيرية وجد اللاجئون والمهاجرون المتواجدون في مراكز الاحتجاز الرسمية أنفسهم عالقين في حلقة من الانتهاكات والابتزاز. فهم محتجزون في ظروف غير إنسانية، ومميتة في بعض الأحيان. وقد يكونون مفصولين عن ذويهم. وأفاد بعض الضحايا بشهادات أنهم تعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والعنف الجنسي، والاستغلال في العمل. كما أن بعض المهاجرين واللاجئين محتجزون في أماكن احتجاز تديرها جماعات مسلحة وتجار بشر. أما الذين لا يُحتجزون فيضطرون إلى العيش في الخفاء، خوفاً من التعرض لمجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك الاعتداءات البدنية، والاختطاف، والسرقة، والعنف الجنسي، والاتجار بالبشر، وأعمال السخرة، والترحيل القسري.

الوكالات الأممية اعتبرت أن ما تقوم به السلطات الليبية من ترحيل للمهاجرين السودانين قسرا يعتبر انتهاكا للقانون الدولي لحقوق اللاجئين. وأدان مكتب المفوض السامي لحقوق الانسان في الأمم المتحدة الطريقة التي تتعامل بها السلطات الليبية مع ملف الهجرة واعتبرها مخالفة للإتفاقيات الدولية التي تعتبر ليبيا طرفا فيها.

ليبيا ليست طرف في الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين لسنة 1951 ولكنها طرف في اتفاقيات أخرى مبنية على نفس المبادئ التي تنص على حماية المهاجرين وطالبي اللجوء مثل اتفاقية الوحدة الإفريقية للاجئين التي صادقت عليها ليبيا فهي ملزمة بذلك بحماية المهاجرين واللاجئين وتوفير بيئة آمنة لهم في ليبيا.