المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب OMCT -تدين ضعف إستجابة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أعقاب الاعتقال الجماعي الأخير في طرابلس من أمام مقرها

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب OMCT -تدين ضعف إستجابة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أعقاب الاعتقال الجماعي الأخير في طرابلس من أمام مقرها

في مطلع هذا الشهر وتحديدا بتاريخ السادس من نوفمبر الجاري، تم تنفيذ عملية اعتقال جماعي للاجئين وطالبي اللجوء بالقرب من مقرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في السراج – طرابلس بليبيا. حيث تشير التقارير والشهادات التي تم تجميعها بأنه تم إلقاء القبض على أكثر من 200 طالب لجوء من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة، بمن فيهم الفئات الضعيفة مثل النساء الحوامل وحوالي 30 طفلاً، معظمهم من أصل سوداني، ونقلتهم إلى ثلاثة مراكز احتجاز في المدينة: أبو سليم وطريق السكة وعين زارة. يمثل أحدث ما تعرض له اللاجئين ضمن سلسلة من حملات الاعتقال المتكررة التي تشنها السلطات الليبية ضد اللاجئين الذين يخيمون بالقرب من مرافق المفوضية.

على مدى السنوات القليلة الماضية، ومع تكرار حدوث النزاعات في السودان، شهدنا تدفق مستمر في وصول اللاجئين وطالبي اللجوء السودانيين إلى ليبيا. خاض العديد من هؤلاء اللاجئين رحلات محفوفة بالمخاطر عبر مصر أو الصحراء الكبرى، حيث يقومون بالسفر عبر طرق مميتة ويواجهون مخاطر عند وصولهم والمتمثلة في خطر الاعتقال أو الإرجاع القسري أو الاحتجاز التعسفي في ظروف غير إنسانية من قبل السلطات الليبية. من المؤسف أن التحديات الذين يواجهونها تبقى قائمة، بل ويمكن لها أن تتفاقم حتى عند الوصول أمام مقر المفوضية في طرابلس.

في هذا السياق فإن هذه الحادثة لا تسلط الضوء فقط على مدى هشاشة هؤلاء الأفراد، بل تضع أيضا دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والأطراف المعنية الأخرى محل التساؤل في صلة بالتعامل مع احتياجات اللاجئين وطالبي اللجوء وخاصة السودانيين الفارين من النزاع في بلدهم بحثاً عن مكان أكثر أمانا.

يشير الوضع القائم للاجئين الذين يقيمون فالمخيمات في الهواء الطلق بالقرب من مرافق المفوضية إلى قضية هيكلية أوسع نطاقاً تكمن في أنظمة التسجيل والحماية المتبعة من قبل المفوضية، حيث تواجه المفوضية صعوبات لاستيعاب تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء.

على الرغم من محاولات التحذير المسبقة من منظمات المجتمع المدني الليبية في وقت سابق من هذا العام، والتي تنبه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا للاستعداد لتدفق اللاجئين وطالبي اللجوء من السودان، لم يعلن مكتبها عن أي إجراءات استباقية.[1]  ونتيجة لهذه الأزمة صرح الكثير من اللاجئين المخيمين في المنطقة عن الوضعية الهشة والقاسية الذين وجدوا أنفسهم فيها إذ تصل مدة الانتظار للتسجيل لموعد في المفوضية من ثلاثة الى حوالي ثمانية أو تسعة أشهر بدون إحاطة طبية أو مقدار كاف من الماء والطعام.[2]  يسبب هذا التأخير قلقا كبيرا بالنظر إلى الطابع المستعجل لوضعياتهم المتمثلة في العيش في ظروف قاسية بموارد ضئيلة بالقرب من مقر المفوضية في طرابلس.

“لا أحد يختار العيش في الشوارع في مثل هذه الظروف! لا أحد! الناس يمرضون أو يموتون وكل ما يتلقونه من المفوضية هو مسكنات، مسكنات! لقد مات العديد من هؤلاء الأشخاص حتى قبل أن يعبروا بوابات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين!”

حتى بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من التسجيل لدى المفوضية، فإنهم ما زالوا يواجهون مشكلتين رئيسيتين. أولاً، لا يُترجم التسجيل إلى حماية لهؤلاء الأشخاص آليا. أي أن السلطات لا تعترف بالتمتع بالحصول على الصفة القانونية للاجئ في ليبيا كشرط مشروع للأمن، حيث يعيش العديد من الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الصفة القانونية في ظل خوف دائم من التعرض للاعتقال والاحتجاز التعسفي.

ثانياً، لا يؤدي التسجيل إلى تحسين الأمن المالي. وبحسب العديد من الشهادات، لم يحصل العديد من اللاجئين على مبلغ كافٍ من المال للبقاء على قيد الحياة، لأن الحصص المالية المخصصة غير كافية لاحتياجات المستفيدين أو حجم الأسرة. تمكن المفوضية الشخص العازب من حوالي 500 دينار ليبي أي ما يعادل 95 دولار أمريكي بينما تتحصل العائلات على حوالي 1200 دينار ليبي أي ما يقارب 200 دولار أمريكي.

وتشير هذه الشهادات إلى العديد من أوجه القصور في آليات الدعم التي تقدمها المفوضية مما أثار مخاوف كبيرة بشأن قدرة الوكالة على الوفاء بالتزاماتها وفقاً لولايتها في ليبيا. علاوة على ذلك، فإن استجابتها المحدودة للاعتقالات الجماعية المتكررة واحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء على مدى سنوات تثير تساؤلات حول مناقشاتهم رفيعة المستوى مع الحكومة الليبية.

ويرجع تفاقم هذا الوضع إلى كون هذه الوضعية لم تتحسن على مر السنين، وأن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين غير قادرة على إيصال التحديات التي تواجهها إلى العموم ومجتمع اللاجئين، فضلاً عن حقيقة أن العديد من اللاجئين المسجلين لدى المفوضية لا يزالون يتعرضون للانتهاكات والاعتقالات.[3]

نحن لا نطلب الكثير. نريد فقط أن نعامل بطريقة إنسانية، وأن نعامل باحترام وليس مثل الحيوانات

وقد تم توثيق الظروف المثيرة للقلق في مراكز الاحتجاز الليبية، إلى جانب محدودية التواجد والوصول الدولي على نطاق واسع. أبلغت مجموعة من المنظمات، بما في ذلك منظماتنا وبعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في ليبيا، عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ضد المهاجرين، وكثير منهم لاجئون مسجلون وطالبو لجوء، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والتشغيل القسري والاتجار بالبشر. يتناقض هذا بشكل حاد مع نهج المفوضية المتوقع في ليبيا، والذي ينبغي أن يعطي الأولوية للحماية والراحة، مما يستلزم اتخاذ موقف استباقي ضد الاعتقالات التعسفية وخطة عمل عاجلة من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من المعايير لحماية اللاجئين في ليبيا.

وعلى ضوء هذه التحديات نقترح التوصيات التالية:

التوصيات الموجهة إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:

1 . تحسين التواصل العام والمناصرة: مراجعة وتحسين التواصل العام الحالي مع مجتمعات اللاجئين، مع التركيز على الشفافية في نقل المعلومات حول التدابير الاستباقية أو الوقائية. اعتماد خطة مناصرة واضحة للدعوة إلى الإفراج الفوري عن الأطفال والنساء الحوامل من مراكز الاحتجاز، وكذلك جميع اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين الذين يحق لهم الحصول على الحماية بموجب القانون الدولي.

2 . إيلاء الأولية للمساعدة الفورية والدعم المناسب: توفير الإغاثة الفورية للاجئين الفارين من مناطق النزاع مع ضمان حصولهم على الإمدادات الأساسية مثل الدعم الطبي المناسب وما يكفي من أدوات النظافة وحصولهم على المياه والغذاء أثناء انتظارهم للمواعيد. عند تقديم المساعدات المالية، يجب إعادة تقييم وتعديل المبالغ المالية المقدمة للاجئين المسجلين، مع الأخذ بعين الاعتبار تكلفة المعيشة في مدن مثل طرابلس لضمان حصول الأسر، وخاصة تلك التي لديها أطفال، على الدعم الكافي لتوفير المأوى والضروريات الأساسية.

3 . تسريع عملية تحديد موعد المقابلات في المفوضية: وضع تدابير لتسريع المقابلات للاجئين، وخاصة أولئك الفارين من مناطق الصراع مثل السودان، وتقليل أوقات الانتظار ومعالجة الحالات الطارئة على وجه السرعة.

4 . التعاون مع الوكالات الدولية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني: تعزيز التعاون مع منظمات مثل اليونيسف التي تتحمل مسؤولية تقديم الدعم المتخصص للنساء الحوامل والأطفال لضمان تلبية احتياجاتهم الخاصة. ينبغي كذلك تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني من خلال المشاركة النشيطة في الحوار والنظر في رؤاهم وتوصياتهم لتحسين دعم اللاجئين وإدارة الأزمات.

 

توصيات موجهة للمجتمع الدولي:

1 .  الضغط الديبلوماسي على الدولة الليبية: ممارسة الضغط الدبلوماسي على السلطات الليبية لضمان الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما في معاملة اللاجئين، والتصدي لاحتجازهم غير القانوني، خاصة عندما يتمتعون بوضع خاص بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في ليبيا.

2 . الاعتراف بولاية المفوضية السامية للاجئين في ليبيا: تعمل المفوضية السامية للاجئين في ليبيا حاليًا بدون إطار رسمي بسبب عدم وجود اتفاقية البلد المضيف مع الحكومة الليبية. ينبغي على الدول والمجتمع الدولي الدخول في حوار مباشر مع السلطات الليبية والسعي إلى تشجيعها على توقيع وتنفيذ هذا الاتفاق.

التوصيات الموجهة إلى السلطات الليبية:

1 . الاعتراف بالوضعيات الإنسانية الخاصة: الإقرار والاعتراف بالظروف الإنسانية الخاصة التي يواجهها الأفراد الفارون من النزاع، وتحديداً السودانيين المتضررين الذين تلقوا المساعدة الطبية من الدولة الليبية في وقت سابق من هذا العام.[4] إعطاء الأولوية لتنفيذ السياسات التي تضمن المعاملة المحترمة للاجئين وطالبي اللجوء، مع التركيز على توفير ظروف أكثر إنسانية في المرافق التي تكون أشبه إلى مأوى بدلا من مراكز الاحتجاز.

2 . التعاون مع وكالات الأمم المتحدة: التعاون بشكل أوثق بين المفوضية السامية لللاجئين واليونيسيف من أجل إنشاء قنوات اتصال فعالة، وتبسيط عمليات تسجيل اللاجئين، وتعزيز الدعم للفئات الضعيفة، بما في ذلك النساء الحوامل والأطفال.

 

وفي الختام، فإن الاعتقال الجماعي للاجئين أمام مبنى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في طرابلس يتطلب اهتماماً وتحركا فورياً. ويسلط الحادث الضوء على القضايا النظامية التي تتطلب جهودًا تعاونية بين المفوضية والسلطات الليبية والمجتمع الدولي لضمان حماية وسلامة اللاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا.


 

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب OMCT –

الشبكة الليبية لمناهضة التعذيب LAN –

لاجئون في ليبيا Refugees in Libya –

[1] Mixed migration consequences of Sudan’s conflict, V.Cross-border movement, Mixed Migration Centre, 4 May 2023.

[2] لاجئون سودانيون في بليبيا يتهمون المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالفشل في تقديم المساعدة  ,Al Jazeera English, 23 أوت 2023

[3]  اطلاق سراح مجموعة من طالبي اللجوء من مركز الاحتجاز عين زارة بعد 18 شهرا من الاحتجاز, InfoMigrants, 22 جويلية 2022

 

[4] وزارة الشؤون الخارجية: ليبيا ترسل مساعدات طبية عاجلة إلى السودان, Libyan News Agency, 21 جوان 2023