الصحة وحقوق الإنسان في السجون

نشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر  مقال كتب بتاريخ 01-12-2003 بقلم هرنان رايس

المقال يعد مقتطفات من كتاب “فيروس نقص المناعة البشري في السجون: قراءات ذات صلة خاصة بالدول الحديثة الاستقلال، الفصل الثاني، ص 9-18، منظمة الصحة العالمية -أوربا “مشروع الصحة في السجون”)، 2001.

حيث جاء في  المقدمة  ” يرسل السجناء إلى السجن كعقاب وليس من أجل العقاب ” . تشير عبارة مفوض السجون البريطاني باترسون هذه التي كان يكررها مرارا أن حرمان المرء من حقه في الحرية ينفذ بحبسه في بيئة مغلقة.

ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون للاحتفاظ بالفرد تحت تحفظ الدولة آثار ضارة على صحة هؤلاء الأشخاص. ومع الأسف، فإن ذلك هو الحال – بدرجة أو بأخرى – في كثير من سجون العالم. هل يمكن إذن تعريف معنى ” بيئة صحية ” في السجن، ناهيك عن الحديث عن حقوق السجناء فيما يتصل بأية خدمات صحية ينبغي أن توفرها لهم السلطات الحاجزة؟ الإجابة عن هذا السؤال هي أن السجناء لهم حقوق غير قابلة للصرف، منحتها لهم المعاهدات والعهود الدولية، ولهم حق في الرعاية الصحية، ولهم حق بكل تأكيد في ألا تصيبهم أمراض في السجن. وموضوع هذا الفصل هو كيف تطبق هذه الحقوق على بيئة السجن الضارة غالبا، وعلى الإصابة بفيروس نقص المناعة البشري.

  السجون يمكن أن تكون ضارة بالصحة العامة:

تهدف سياسات الصحة العامة إلى ضمان أفضل الظروف الممكنة لكل أفراد المجتمع حتى يمكن أن يكون الجميع أصحاء. وكثيرا ما ينسى السجناء في هذه المعادلة. فالسجناء يدخلون ويخرجون من السجون.
كما يطلق سراحهم إذا ثبتت براءتهم. إنهم يتنقلون جيئة وذهابا من وإلى السجن أثناء التحقيق ومن أجل المحاكمة. كما أنهم كثيرا ما ينقلون من سجن إلى آخر لأسباب متعددة. ويتصل السجناء بأشخاص مختلفين يدخلون ويخرجون من السجن كل يوم.

 ويتردد على السجن يوميا حراس السجن، والعاملون به، والموظفون الطبيون، وعمال التوصيل، وفنيو التصليح، ناهيك عن الزائرين من العائلات، والمحامين. وفي النهاية يطلق سراح السجناء السجن بعد قضاء مدتهم، وأحيانا عندم ا يصدر عفو عنهم. وتزيد هذه الدورة والحركة الدائمتان إلى داخل السجن وخارجة من أهمية مكافحة أي مرض معد داخل السجن حتى لا ينقل إلى المجتمع الخارجي.

العنف: واقع يومي في سجون كثيرة

يمكن أن يؤدي العنف والإكراه بين السجناء في كثير من البلدان إلى مخاطر صحية شديدة، إما مباشرة أو بصورة غير مباشرة. فقد تحدث اعتداءات بدنية – قد تصل إلى القتل – في السجون التي يعاد إليها السجناء وأحيانا حتى في المستعمرات العقابية. وتحدث اعتداءات بين السجناء وحراس السجن، وربما أكثر بين السجناء أنفسهم. وكثيرا جدا ما لا يتم الإبلاغ عن كل حوادث الاعتداء التي تتم بين السجناء – ولا سيما الاعتداء الجنسي – حيث يشيع في أوساط السجون نوع داخلي من ” قانون الصمت(OMERTA) ” .

وهناك أسباب كثيرة للعنف في السجون. قد تكون للمصادمات أسباب عرقية أو منافسات بين العشائر والعصابات. كذلك تؤدي ظروف الحياة المنغلقة، غالبا في ظل تكدس، إلى العداوات بين النزلاء. كما تؤدي البيئة المملة للسجن – عدم وجود ما يشغل الذهن والبدن، ليس سوى الملل- يؤدي إلى تراكم الشعور بالإحباط والتوترات. وتفسح هذه البيئة الطريق إلى أنشطة خطرة مثل استعمال المخدرات، والأنشطة الجنسية بين الرجال، والوشم، والأنماط الأخرى من أعمال ” أخوة الدم ” (انظر الفصل الثالث).

  حقوق الإنسان والسجناء:

 الصكوك والآليات:

كل بني البشر، وهذا بالتأكيد يشمل السجناء، لهم حقوق معينة غير قابلة للتصرف تقرها الصكوك الدولية المتعارف عليها. وقد تم منذ الحرب العالمية الثانية تقنين وتحديد حقوق الإنسان في معاهدات واتفاقيات. ففي عام 1948، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفيما بعد تم اعتماد عهدين هما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وينص هذان العهدان على أن السجناء لهم حقوق، حتى عند حرمانهم من حريتهم أثناء الاحتجاز. وينص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالتحديد على أنه ينبغي معاملة السجناء المحرومين من حريتهم بإنسانية واحترام الكرامة الكامنة للشخصية الإنسانية ” .

 الحق في الرعاية الصحية وفي بيئة صحية في السجن:

في إشارة خاصة إلى الصحة، أقر بالفعل في الإعلان العالمي الحق في ظروف ” مناسبة للصحة والرفاهية ” للجميع. بالإضافة إلى ذلك، ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن السجناء لهم حق في أعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية. وتنظم القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء توفير الرعاية الصحية لهم. وقد تم استعراض تلك القواعد، إلى جانب جميع الصكوك الأخرى التي تنظم حقوق ولوائح معاملة السجناء، بتوسع والتعليق عليها في نص شامل أصدرته الهيئة الدولية للإصلاح الجزائي. وأصدرت لجنة منع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللإنسانية أو المهينة معايير للخدمات الصحية في السجون (نشرت في تقريرها السنوي لعام 1992). ومؤخرا، في 1998 ، أعلنت لجنة وزراء مجلس أوربا توصيات جديدة تتصل بالرعاية الصحية في السجون.

 الرعاية الصحية في السجن: التكافؤ في مواجهة المساواة

لا يمكن للسجناء حماية أنفسهم في أوضاع الاحتجاز، وتقع المسؤولية على الدولة لتوفير الخدمات الصحية وتوفير بيئة صحية.

وتدعو صكوك حقوق الإنسان إلى حصول السجناء على رعاية صحية تكافئ على الأقل الرعاية المتاحة لمن هم خارج السجن. فمن ناحية، كانت الدعوة إلى تكافؤ لا إلى مساواة لأن السجن مؤسسة مغلقة ذات دور وصاية لا يسمح دائما بتوفير نفس الرعاية المتاحة في الخارج. ومن ناحية أخرى، لأنه من الأرجح أن يكون السجين بالفعل في حالة صحية سيئة عند دخوله السجن، ولأن الظروف غير الملائمة في الداخل تجعل الحالة الصحية أكثر سوءا، فكثيرا ما تكون هناك حاجة إلى رعاية صحية وعلاج أكبر في السجن منه في المجتمع الخارجي. بيد أنه اتضحت صعوبة شديدة في توفير الرعاية الصحية الأساسية للسجناء في البلدان التي انهارت فيها النظم الصحية العامة أو حيث تعاني من عدم كفاية مزمن.

وفيما يتصل بالقضية الخاصة بفيروس نقص المناعة البشري، هناك مجالات متعددة تتصل بتوفير تلك الرعاية. فمن واجب السلطات الحفاظ على صحة كل السجناء، والنهوض بالصحة العامة لنزلاء السجون والسكان الخارجيين على حد سواء.

وتنص المعاهدات والاتفاقيات المذكورة أعلاه على التزام سلطات السجن بتوفير ما يلي:

* أماكن معيشة آمنة وصحية لكل السجناء

* حماية الأشخاص من العنف والإكراه

* توفير خدمات الرعاية الصحية والأدوية الكافية، دون مقابل قدر الإمكان

* تقديم المعلومات والتعليم الخاص بإجراءات الوقاية الصحية والأسلوب الصحي للحياة

* تنفيذ إجراءات الوقاية الصحية الأولية

* وسائل الكشف عن العدوى المنقولة جنسيا وعلاجها بغرض الإقلال من مخاطر نقل فيروس نقص المناعة البشري

* متابعة المعالجة الطبية التي بدأت خارج السجن (بما فيها المتعلقة بتعاطي المخدرات)، أو إمكانية بدئها داخل السجن

* توفير حماية خاصة للسجناء المعرضين للخطر، مثل الأشخاص الذين أظهروا اختبارا موجبا لفيروس نقص المناعة البشري، وضد العنف من جانب السجناء الآخرين، أو من الأمراض المعدية التي قد تمثل خطورة كبيرة عليهم، مثل الدرن

* حيثما تتوفر الاختبارات الطوعية لفيروس نقص المناعة البشري، ينبغي دائما تقديمها، بالإضافة إلى المشورة المناسبة قبل الاختبار وبعده.

  الصحة العامة وحقوق الإنسان:

  حماية الصحة العامة مع احترام حقوق الفرد:

تهتم حماية الصحة العامة في سياق السجون بالنهوض بالصحة وحمايتها، وخفض معدل الإصابة بالأمراض والوفيات بين السجناء والمجتمع ككل. ويشمل ذلك كل العاملين بالسجون (انظر الفصل العاشر)، وأفراد أسر السجناء، والعاملين، والزائرين، بالإضافة إلى المجتمع الخارجي الذي يخرج إليه السجناء في النهاية عند إخلاء سبيلهم.

وفيما يتصل بالأمراض المعدية، قد يشمل تأمين الصحة العامة جمع المعلومات والبيانات الشخصية عن السكان المصابين بفيروس نقص المناعة البشري. ومن الضروري تحديد عوامل الخطر وأشكال السلوك الخطر، وذلك لمعرفة أساليب انتشار العدوى. وهذه المعلومات حيوية لوضع برامج الوقاية (انظر الفصل 4). وتتخذ تلك الإجراءات بصفة روتينية للأمراض الأخرى مثل الدرن والزهري. وفي الماضي، كانت تتبع إج راءات إجبارية مثل العزل والحجر الصحي بصفة روتينية لمكافحة الأوبئة والمخاطر التي تصيب الصحة العامة. ولا شك أن إجراءات معينة قد تقيد السلوك الشخصي من أجل الصالح العام.

  لابد أن تعمل الصحة العامة وحقوق الإنسان معا:

* ينبغي أن يكون تأكيد أي برنامج لمواجهة عدوى فيروس نقص المناعة البشري في السجون على التثقيف. ويحق للسجناء الحصول على معرفة بشأن فيروس نقص المناعة البشري، وكيفية منع انتقاله (تناقش أنشطة التثقيف والوقاية في الفصل 5). وينشأ تضارب ظاهري بين ضرورة إبلاغ النزلاء والعاملين على السواء بمخاطر السلوك الخطر، بل وإتاحة وسائل الوقاية لتجنب العدوى، مع عدم الظهور بالتغاضي عن ذلك السلوك.

* الهدف المشترك لسياسات الصحة العامة وحقوق الإنسان هو منع انتقال فيروس نقص المناعة البشري، وذلك بتحسين الصحة للجميع بوجه عام، وفي الوقت نفسه ضمان احترام حقوق الإنسان وكرامة المصابين بالفعل والمحتاجين إلى علاج.

* ينبغي أن يكون أطباء السجون قادرين على العمل بصورة مستقلة، وليس كأدوات للإكراه في إطار نظام السجن.

* يجب احترام مبدأي الموافقة والسرية لضمان سعي كل السجناء وراء المشورة الطبية فيما يتصل بفيروس نقص المناعة البشري/ الإيدز، عن طيب خاطر.

* إن تقديم المشورة المناسبة قبل إجراء أي اختبار طوعي للكشف عن فيروس نقص المناعة البشري يكفل الثقة في العلاقة بين الطبيب والمريض. كما ينبغي أن تتاح المشورة للسجناء بعد معرفة نتيجة الاختبار .

* ينبغي حفظ سرية نتائج الاختبار للفيروس، ولا تبلغ النتائج لأي أشخاص غير طبيين إلا على أساس صارم للحاجة للعلم، مع علم وموافقة المريض المعني قدر الإمكان.

المزيد من التفاصيل عبر  الرابط 👇

https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5pbgsx.htm